-
هل يُمكنك أن تُحدد لنا موقع قطاع التصميم والبناء في رؤية مشروع نيوم الطموحة ومدى تكامله مع نجاح المشروع؟
ستمتلك نيوم مجموعة من الاقتصادات الواعدة التي تحاكي أي دولة كبيرة، ولذلك ستحتاج إلى التصميم والبناء باستمرار، كما ستحتاج إليه المملكة العربية السعودية والاقتصادات المماثلة في الشرق الأوسط. لذلك لدينا فرصة، كوننا أكبر مشروع بناء في العالم، أن نبتكر تقنيات المستقبل ونخلق منظومة قادرة على توفير الإمكانات للمنطقة والعالم أجمع، وأن نستثمر في ذلك كله. علينا أن نبحث عن الابتكارات الواعدة التي يمكن تحويلها إلى اقتصادات قوية وفعالة، لتصبح نيوم مؤثرة محلياً وإقليمياً وعالمياً. وهذا مرتبط بكل العناصر ذات التمكين الرقمي، والتحسين المناخي، والنفع الاجتماعي، بالإضافة إلى كل ما يدعم تحقيق طموحات ورؤية نيوم الكبرى. يُعد عملنا جزءاً أساسياً بلا شك لتنفيذ ونجاح المشروع. ونحن نبذل قصارى جهدنا للعمل بطرق مبتكرة غير تقليدية نظراً لطبيعة المشروع ومدى تعقيده وسرعته التي يسير عليها، سواءً كان الذي نبنيه ميناء أو مشروعاً هائلاً مثل "ذا لاين" وتروجينا. إن التحديات التي نواجهها، في الوقت والجغرافيا والموقع، تحفزنا لتجاوز الأساليب التقليدية وتبني الابتكار والإبداع، من أجل تنفيذ وتحويل سلسلة الإمداد وتغيير حجم المشاريع التنموية الكبرى التي أُنشأت بالفعل في العالم، من حيث التصميم الرقمي، والبناء الصناعي، والتزامات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، وتقليل الانبعاثات الكربونية الناتجة عن صناعة المواد، والإدارة الرقمية لدورة الحياة الكاملة.
-
ما هي المشاريع الأولى من نوعها على مستوى العالم التي تعمل عليها مع فريقك؟
سنبني أفضل منهجية لسير عمل البناء والإنشاء على مستوى العالم. وستعتمد عملية البناء جزئياً على اللوجستيات وأساليب الإنتاج التي يستخدمها العالم حالياً، ولكن لم يُجمَع بينها من قبل.
الأمر الفريد الآخر الذي نعمل عليه هو بناء منظومة متكاملة للقطاع تتجاوز مجرد بناء نيوم. وحين نصل إلى قمة ما نخطط له في قطاع البناء والتصميم، سنُشارك تجربتنا هذه مع المنطقة؛ فكل من يرغب في التعاون معنا سواء داخل المملكة العربية السعودية أو خارجها، سيجد أن هذا القطاع فرصة للعمل وتطوير المهارات للجميع.
حين يكون هناك مجالات متعددة داخل قطاع معين، فهذا أمر شائع ومألوف. أما أن يتحول أحد هذه المجالات إلى قطاع بحد ذاته، فهذا لم يحدث من قبل. لذا، سيكون لنا السبق على مستوى العالم في حدوث ذلك. وفي ظل كل ذلك، سيكون هناك عدة قفزات تقنية، إذ سنطبق طرق التفكير في اختبار مراحل الإنتاج والتفكير بابتكار النماذج الأولية لتطوير المواصفات التي تلائم كل مستخدم.
سنخلق بيئة تحاكي المنتجات العقارية وتقنيات التوائم الرقمية لتعزيز أول سلسلة إمداد رقمية معتبرة.
كما نسعى إلى توفير أكبر قدر ممكن من الاستقلالية في نظام معدات البناء، وستكون عملية صناعة الإسمنت لدينا خالية من الانبعاثات الكربونية وذلك باستخدام مواد بديلة للإسمنت.
بالإضافة لذلك، سنعزز القوى العاملة لدينا بالتدريب المستمر وضمان رفاهية معيشتهم حتى نصل بذلك لمستويات عالمية. تتمحور فكرة نيوم حول بناء اقتصاد مستقبلي يطبق مستويات عالية للغاية من التكافؤ والمساواة بين القوى العاملة. وستساعدنا التقنيات الحديثة في زيادة الكفاءات والمهارات وتحسين الوظائف والمسارات المهنية وتحسين المعيشة لهم.
أمرٌ آخر سيكون لنا السبق فيه عالمياً لأول مرة، وهو تطوير برامج تدريب تمنح شهادات معتمدة عالمياً لأهل الاختصاص والخبرة في قطاع التصميم والبناء.
-
لا شك أن توفير الرفاهية ومستويات معيشة ذات جودة للقوى العاملة ليس بالأمر السهل. هل تتوقع أن تتبع الدول الأخرى هذا النموذج المبتكر في نيوم؟
إن مفهوم العدالة والتكافؤ يعني أن يحصل الجميع على نقطة انطلاق متشابهة بغض النظر عن خلفية القوى العاملة، وأن يتمتع الجميع بالفرص الاقتصادية ذاتها بطريقة عادلة ومتساوية. إن كان هذا هو الهدف النهائي المطلوب، فلا بد أن يعمل كل شيء في سبيل تحقيقه. ولهذا السبب، من المهم وضع برامج تدريبية لتأهيل القوى العاملة وتحسين كفاءاتهم جذرياً، فالقوى العاملة غير الماهرة لن تجد مكاناً لدينا. ولذلك يحتاج كلٌ منهم إلى فرصة من أجل تطوير الكفاءات المعتمدة على جميع المستويات. لا شك أن معدل الإنتاجية لدى القوى العاملة التي تتمتع بمستويات عالية من الكفاءة والتخصص هي أكثر من غيرها، ولذلك فإن قيمتهم أيضاً أعلى. أضف إلى ذلك أنهم على مستوى أعلى من الأمان لأنهم لا يقللون من الحوادث فحسب، بل يمكن اعتبار أخطائهم الوشيكة فرصاً للتعلم. قد يأتي بعضهم إلى نيوم وهم يفتقرون إلى بعض المهارات، لكنهم سيتعلمون ويُؤهَّلون لتكون إنتاجيتهم أكثر قيمة ونفعاً لأنفسهم ولعائلاتهم. وهذا الأمر ينطبق على القوى العاملة المحلية وكذلك على العديد ممن سنرحب بهم في نيوم. وحين يقررون العودة إلى ديارهم، ستكون صحتهم جيدة والمهارات التي اكتسبوها في نيوم مطلوبة ورائجة. كما سيُعترف بشهادة الكفاءة والاختصاص التي سنمنحها على مستوى العالم. وهذا أفضل بكثير من مجرد الوقاية من الأخطار. الأمر برمّته يتعلق بشكل أعمق بتحسين قيمة الإنسان. وعندما ترى الدول الأخرى هذا النوع من التقدم، سترغب في أن تصبح جزءاً من تجربتنا هذه.
-
تسعى نيوم لإنشاء مدن إدراكية بأقصى مستويات الجودة، فهل يمكنك تحديد ما يعنيه ذلك وكيف يمكن أن يحدث؟
عندما نتحدث عن أنظمة المدن، نجد أنها تتعلق بجميع الأمور التي تراها حين تمشي في المكان، سواء كانت بطاقات مواصلات عامة أو خرائط لأماكن معينة. فلنتذكر أن مفهوم المدينة يشمل كذلك كل الأمور التي لا نراها أو لا ننتبه لوجودها.
ليس لدينا أي شيء افتراضي، سواء أجهزة أو منصات، يتعامل مع المشاعر والوجدان حين تتنقل داخل أي مدينة. ولذلك سنهدف في مدننا الإدراكية إلى سد الفجوة بين المشاعر الإنسانية والأشياء المادية في مكان ما، بحيث تتعلم بيئتنا منا. وهذا يشمل كل شيء، المناخ والنقل والتواصل الاجتماعي. فدور المدينة الإدراكية أن تتدفق وتتفاعل مع فيض المشاعر الإنسانية، وأن تجعل تجربة العيش فيها خاليةً من أي توتر أو في أدنى مستوياته على أقل تقدير.
كما تُعد قلة الثقة من المشاكل الرئيسية الأخرى التي أصبحنا نعاني منها وننوي حلها في المدن الإدراكية. فقد تضاءلت ثقتنا في كيفية استخدام المدينة لبياناتنا بسبب الطريقة التي تُستخدَم فيها المعلومات الشخصية حالياً لتحقيق مكاسب تجارية على مدار السنوات القليلة الماضية. ونهدف للتغلب على هذه المشكلة أيضاً عبر بناء ثقة حقيقية بيننا وبين السكان والزوار لمشاركة البيانات.
-
يبدو أن الجمع بين مفهوم الاستدامة والاقتصاد الدائري وأماكن المعيشة سيحقق نجاحاً مذهلاً. هل يمكنك أن تشرح لنا بعبارات بسيطة كيف سيبدو هذا المزيج على أرض الواقع؟
نحن نبني شيئاً ضخماً للغاية. لذلك علينا أن نتأكد من التركيز على تقليل العواقب غير المقصودة إلى أقل حد ممكن. معظم الأصول التي تتعامل معها المدينة يتراوح عمرها ما بين 15 إلى 50 عاماً. ولكن لكي تكون قادراً على تلبية التزامات الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات على نطاق واسع، عليك أن تكون قادراً على بناء نموذج أولي وتصميم وبناء مجتمع خالٍ من الهدر والنفايات، سواءً كان هدراً للوقت أو المواد، فنحن نصمم كل شيء مع وضع الاقتصاد الدائري في الاعتبار، إذ لن تكون هناك نفايات، بل موارد فقط. يجب ألا نهدر شيئاً، بل نعيد استخدام كل شيء. ولذلك ينبغي أن يدور كل شيء في نيوم حول السعي لتحقيق هذا الهدف وحول كيفية تقليل الأضرار إلى أقل حد ممكن. فالجميع عليه مسؤولية المشاركة في بيئة التجديد وإعادة الإنتاج. ويمكننا تطبيق ذلك على الطاقة والمواد البلاستيكية وجميع أنواع المواد. ستستخدم منهجياتنا في التصميم والبناء هذه المبادئ كنقطة انطلاق. فالتصميم والبناء هو المجال الذي نطبق فيه هذه المبادئ، إذ ننقل ما تعلمناه لنطبقه ليس في نيوم وحسب، بل في العالم أجمع. وهذا هو الهدف من قطاع التصميم والبناء.
-
كيف سيُستغل التصميم الرقمي والتفكير بهدف التغيير؟ وما الذي ستتمكن من تحقيقه بهما عبر تقنية "إنترنت الأشياء" مثل المستشعرات الذكية؟
نحن أمام نموذج توأم رقمي كامل يسمح لنا بعمل نموذج أولي قبل أن نبني أي شيء. وبذلك سيتمكن أي مصنّع من وضع تقنيته في نموذجنا، وسنتمكن من محاكاة منافع ومقايضات هذه الحلول ونكررها لتحسين التصميم. ستتيح لنا النماذج الرقمية، بدءاً من تركيب الإضاءة وصولاً إلى بناء أجنحة الفندق، اختبار كل ذلك عبر المحاكاة. ومن خلال هذا الاختبار، سنتمكن من تصنيع الأشياء وإعادة تطبيقها على نطاق واسع. وهذا ما يتعين علينا عمله للتحرك بشكل أسرع لأننا في سباق سلسلة الإمداد.
-
ما هي فرص النمو الجديدة التي تتيحها المنهجيات الحديثة والصديقة للبيئة للبناء خارج الموقع؟
على الرغم من تقدم قطاع البناء، إلا أنه لا يزال داخل قوقعة العمل بأسلوب المجموعات أو المراحل، إذ يُصمم كل مشروع حسب المواصفات، وكل مشروع ينقسم إلى مشاريع فرعية منفصلة لها خصائص بداية ونهاية خاصة بها. وفي المقابل، طورت قطاعات أخرى عمليات تصنيع متعاقبة ومتصلة، فمثلاً يمكن أن تختلف كل سيارة تخرج من خط الإنتاج عن السيارات الأخرى بمئات الفروق، على الرغم من أن جميعها تُصنع في بيئة متصلة. ولذلك إذا أمكننا تحويل ما هو حالياً عملية بناء مخصصة إلى شيء أكثر إنتاجية واستمرارية، سنتمكن من تحسين الأمور بشكل كبير، سواء هنا في نيوم أو في المنطقة أو حتى لمن يستخدم منظومتنا في بلدانهم. يمكننا أيضاً استخدام الأسلوب نفسه في التخصيص على مستوى ضخم، وذلك بتصميم الأصول والعقارات من خلال نماذج رقمية أولية وإعداد سلسلة الإمداد لتسير بسلاسة واستمرار، وبذلك سنضع العميل والمنتج النهائي جنباً إلى جنب. يحتاج قطاع البناء إلى التخلي عن الطرق القديمة كي يتمكن من العمل بهذا الأسلوب الجديد. لذلك نملك الفرصة لتغيير هذه العلاقة مع العميل جذرياً. يميل القطاع إلى فصل التصميم عن تحديات اللوجستيات والبناء، لكننا بحاجة إلى ربط اللوجستيات والإنتاج والبناء المستمر ضمن منظومة واحدة. ونيوم قادرة على توفير هذا التكامل بنطاق غير مسبوق لأن لدينا السلطة القانونية لتحقيق ذلك التغيير على نطاق واسع.
-
أخبرنا عن مركز نيوم الابتكاري للتصميم والبناء وطموحاته؟
لن يكون للمستقبل الحقيقي الذي نتحدث عنه قيمة ما لم نبنِ جسوراً تنقلنا من الحاضر إلى المستقبل، أو بمعنى آخر التدريب وتطوير الكفاءات والمشاركة وإصدار الشهادات. نحتاج إلى إثبات هذه الافتراضات من أجل التقدم بالتدريب والفرص والمهن والتوسع فيها. ومركزنا الخاص بالابتكار يركز على هذا الهدف، إذ سنبني نماذج أولية للمعدات، ونربط بين المعدات بشكل مستقل، وندرب الناس على استخدامها بطرق رقمية وواقعية. كما سيركز المركز على البيئة الرقمية، ومراكز التحكم للتخصيص على مستوى ضخم، وأفضل الممارسات لإدارة سلسلة الإمداد، والطباعة الثلاثية الأبعاد، وعلوم الروبوتات المتقدمة، وغيرها. لا يتعلق الأمر بمجرد الابتكار، لأننا بحاجة إلى تطبيقه كذلك على نطاق واسع. ستأتي ثقافات عدة وتتعاون مع بعضها لبناء نيوم والمشاريع الأخرى في المنطقة. وسيتخطى برنامج تطوير الكفاءات التحديات اللغوية والثقافية الشائعة في المنطقة بطرق جديدة. ستتعاون فرق عملنا مع بعض، وستتفاعل مع موجودات ذكية أخرى في الموقع، مثل الروبوتات بشتى أنواعها والأدوات الذكية. لدى نيوم فرصة فريدة للانطلاق في تنفيذ ما يعرفه العالم مسبقاً وعلى نطاق واسع. بالطبع سنبتكر تقنيات وأساليب فريدة، ولكن سيرتكز معظم عملنا على دمج وتوسيع نطاق ما هو موجود مسبقاً من التقنيات الذكية.
-
كيف ستساعد أوكساچون، كونها مدينة نيوم الصناعية التي أُعيد تخيُّلها، في تطوير الميناء وعملية سلسلة الإمداد في المنطقة وخارجها؟
ستكون المدينة مجمعاً صناعياً مثل سياتل بالنسبة لشركة بوينج. وسيكون الميناء والتصنيع المتكامل والخدمات اللوجستية، والتي تدعمها الاقتصادات الناشئة القائمة على الهيدروجين بشكل كامل، مثالاً نموذجياً يعكس منهجيتنا المتكاملة. ستعمل نيوم على إزالة مفهوم النفايات، وسنحول كل شيء إلى موارد مع الاقتصاد الدائري، إذ يمكننا دراسة كل المنتجات الجانبية في سلسلة إمداد نيوم، ثم ابتكار طرق جديدة للاستفادة منها في البناء. وهذه فرصة جبارة لتغيير طريقة سير الأمور.
-
في رأيك كيف ستغير مشاريع نيوم الرائدة الأخرى مثل "ذا لاين" وتروجينا من معايير الصناعة العالمية؟
ستمتلك نيوم مجموعة متنوعة من الأصول، مثل المدارس والجامعات والمستشفيات والبنى التحتية، لذلك يمكننا أن نجرب تشغيل كل شيء لفهمه وتنظيمه. فعلى سبيل المثال، تتعلق تروجينا بطريقة البناء في ظروف صعبة للغاية، لذا فهي ترتكز على فكرة التقسيم والتجزيء، ولوجستيات النقل، والتقليل من التأثير على موقع الجبال إلى أدنى حد ممكن. أما "ذا لاين"، فهو على النقيض لديه مشكلة السرعة، إذ يدور حول مدى السرعة التي يمكننا بها الانتقال من المصنع إلى البناء. أما مشاريع الجزر المتقاربة (الأرخبيلات)، فتدور حول تقليل الأثر على البيئة إلى أدنى حد ممكن، في حين تتعلق أوكساچون بالمرونة لأنها ستكون مدينة عائمة يمكن إعادة تركيبها. لدينا جميع المعايير ودراسات الأولويات التي يمكنك تخيلها في جميع مشاريعنا، بالإضافة إلى دراسة جدوى كل واحدة منها بشكل مستقل. المغزى من التصميم الرقمي هو أنك تستطيع أن تحول كل شيء إلى مُعامِل أو معيار، ثم تعمل على تحسينه بناءً على معطيات وملاحظات الجهات المعنية وأصحاب المصلحة. أمامنا فرصة إثبات رائعة بالنسبة لنا، نظراً لعدد الاحتمالات المطروحة وتوفر إمكانات التطوير. ولذلك فإن هذه الوظيفة هي أفضل وظيفة في العالم في رأيي.
-
حدثنا عن تقنية التوائم الرقمية التي ستستخدمونها، وكيف ستُطبق على المشاريع التي تعملون عليها؟
الوضع المثالي الذي نطمح له هو أن نصل إلى نموذج رقمي بالكامل على نطاق واسع قبل أن نشرع في البناء والإنشاء على أرض الواقع، وبذلك سنتمكن من خلق نموذج رقمي لأي شيء والتحقق منه واعتماده. ويمكننا تحويل هذا الشيء الرقمي بعد ذلك إلى حالات متعلقة بالمستخدمين وسوق خاصة بالبيانات. وبالتالي لن ندفع بناءً على المواصفات، بل سندفع بناءً على قدرة الموردين أن يُظهروا إمكانية تحسين هذا النموذج الرقمي. هناك كثير من الخلافات التي تحدث أثناء تسليم مشاريع البناء، ويمكننا التخلص منها عن طريق تقنية التوائم الرقمية وبيئة سوق البيانات، إذ يتيح الاستخدام المشترك للبيانات تقسيم العمل إلى حزم صغيرة يمكن تنفيذها بشكل متواصل وتدفق مستمر. قد يبدو الأمر بديهياً للغاية، ولكن لماذا لم يحاول أحد تطبيقه من قبل؟ لأننا نسعى إلى نموذج يتطلب من الجميع التعاون، ومشاركة منتجات البيانات بطرق إلكترونية متفق عليها من أجل المصلحة العامة. لكن قطاع التصميم والبناء لا يسير بهذه الطريقة. سيوفر نموذجنا حوافز اقتصادية لمشاركة البيانات الموثوقة كجزء من عملية التعاون. لن نتقدم إلا بالتغيير الموجه من خلال منصات تعاون مثل تلك، وتمويل الشركات الناشئة التي تحسن من هذه الطريقة. نحن بحاجة إلى بناء واختبار وتجريب منصات مشاركة بيانات التوائم الرقمية لتمكننا البيئات المحاكية من تتبع الأداء ومراقبته. وكل ذلك سيساعد على ربط الأمور ببعضها.
-
تهدف نيوم أن تصبح خالية من انبعاثات الكربون بحلول عام 2030م. فهل ستكون البطاريات الإلكترونية وتقنية الخلايا الكهربائية والإسمنت الأخضر كافية لتحقيق ذلك؟
كل ما ذكرت يلعب دوراً في ذلك وهي أمور موجودة بالفعل. وهناك مراحل ثلاث للتحول إلى مستوى صِفري من انبعاثات الكربون، وهي الانبعاثات المُضمَّنة والانبعاثات التشغيلية والانبعاثات المُعاد استخدامها. لا يوجد نظام يتعامل مع جميع هذه المراحل. لكن إذا صنعت أدوات ومحاكاة رقمية يمكنها قياس مستوى التنفيذ، ستتمكن من البدء بتفريغ جزء من ذلك وتحديد الأولويات حسب الأهمية. لا أظن أن من الكافي أن تصل إلى مستوى صِفري لانبعاثات الكربون، بل أرى أن علينا التجديد والإسهام في الحل الجذري حتى تصبح 95% من مساحة أرضنا مورداً متجدداً، وبالتالي لا نحتاج أن نوازن ذلك مستخدمين رصيد انبعاثات الكربون المسموح بها، ولا أن نضطر لزراعة نباتات في مكان آخر في العالم. يجب أن تكون الاستدامة عنصراً أساسياً في كل عمل نؤديه، فهي جزء من نسيج نيوم. فكيف إذن يمكننا أن نكون أكثر كفاءة في استخدام النباتات أو الآلات أو المنتجات البديلة للإسمنت؟ نحتاج أيضاً لمعرفة ما هي الأشياء التي تدر دخلاً وأين ستحدث أكبر عناصر التغيير، لأننا عندئذ سنتمكن من بناء بيئة جاذبة للشباب والعائلات من جميع الثقافات. هناك جيل كامل من البشر يؤمن أن مهمته ومسؤوليته تكمن في حل المعضلات التي أوجدها، لكن علينا أن نحقق هذا الحل في سياق تجاري. يُعد هذا أكبر مشروع بحث تطبيقي في العالم. نحن نصنع اقتصاد المستقبل، لذلك علينا أن نتذكر من تستهدفهم نيوم، إنها تستهدف الجيل القادم.
-
أنت بصدد إطلاق مركبة بناء تجريبية خالية من انبعاثات الكربون هذا العام. هلّا زودتنا ببعض تفاصيل ذلك؟
نشترط توافر تجهيزات عالية ومحددة في معدات المشروع، سواء بسبب حجم نشاط البناء أو لأننا نسعى لتقليل التأثير الضار على البيئة. وقد أتيحت لنا فرصة للدمج بين الدروس التي لاحظناها في إنتاجية الآلات وبين استقلالية هذه الآلات في عملها، وذلك في قطاعات عدة مثل التعدين، بالإضافة إلى خبرتنا في النقل واللوجستيات من عملياتنا الخاصة. وحين تجمع بين كل هذا وبين توجه نيوم إلى إنتاج الهيدروجين، ستدرك مدى تقارب الفرص. فالحجم الكبير والكفاءة والرغبة في الحفاظ على الكوكب كلها من العوامل المشجعة المشتركة. على سبيل المثال، يعمل الهيدروجين في المركبات ذات الأحجام الكبيرة بشكل أفضل. ويوفر لنا البناء الخالي من الانبعاثات الكربونية هدفاً طموحاً لمحاولة الجمع بين هذه المجالات الثلاثة من التقنيات المتطورة. لماذا؟ لأننا نحتاج إلى التحرك بسرعة أكبر مما يتيحه لنا قطاع البناء حالياً. إن نموذجنا التجريبي يضع أمام المصنعين والمشغلين تحدياً مفتوحاً ليسمحوا لنا بالإيفاء بوعدنا. لدينا بيانات حقيقية وصناعية عن الكفاءات التي يمكننا توجيهها وتقليل الانبعاثات الكربونية الذي يمكننا أن نحققه، سواء باستخدام الآلات الحالية أو المعدات الجديدة التي ستُصنع مستقبلاً. إن نموذجنا التجريبي بالإضافة إلى التوجه نحو أجهزة المحاكاة ومعدات التدريب الأخرى، هما وسيلتنا لتسريع التقدم. وفي النهاية، إذا حصلنا في مشروعنا على أكفأ أساطيل العمل وآمنِها على البيئة، سنتمكن من تصدير هذه المهارات والمعدات للعمل في جميع أنحاء العالم عندما ننتهي من عملنا ويخف الطلب عليها هنا.
-
ماذا عن المُعدّات الثقيلة المستخدمة في التصميم والبناء، هل ستصبح مؤتمتة وتُدار بالذكاء الاصطناعي في نيوم مع مرور الوقت؟
عندما تبدأ من الصفر، يسهل عليك التصميم من أجل التكامل لأنك لن تحتاج إلى التجديد. وهذا يعني أن بإمكاننا تطوير واختبار أساليب مختلفة تماماً لعملية البناء، وبالتالي تصميم المعدات لتنفيذها. فكر مثلاً في سلسلة من المباني العمودية كخط إنتاج للمصانع، بحيث ينتقل خط الإنتاج إلى العمل بدلاً من أن يتنقل العمل عبر خط الإنتاج. هذه هي العقلية التي تتيح لنا تجريب كل شيء، بداية من الأجهزة القابلة للارتداء على معصم المشغلين، ووصولاً إلى برج خدمة بحجم المبنى. لن يكون هناك فرق في نهجنا لدعم أي شيء، بداية من المخلفات الفحمية المُستخدمة في صناعة الإسمنت، وحتى الطريقة التي تُمزج بها المواد للمستهلك، أو لبدء الطباعة الثلاثية الأبعاد على سبيل المثال.
-
هل لديكم أي توقعات تجاه هذا القطاع في هذه المرحلة المبكرة؟ وهل تبحثون حالياً عن مزوّدي خدمة أم عن مستثمرين؟ وما الذي ينبغي على المهتمين بذلك أن يفعلوا؟
نحن في بداية منحنى على شكل حرف S. فالسنوات العشر الأولى تدور بشكل كبير حول التصميم والبناء. وبمجرد أن نجتاز ذروة النشاط، ستصبح قدرات منظومة البناء متاحة للسوق والعالم. إن هذه الطاقة موجودة لاستخدام كل المشاركين، لذلك فالاستثمار هنا، سواءً تعلق الأمر بالناس أو التقنيات أو رأس المال، مرتبط بكونك جزءاً من أكبر منظومة للقطاع على وجه الأرض. ونحن نرحب بكل من يشارك ويتطلع للتعاون والعمل بسرعة، وينجز أعماله ويتعلم في الوقت نفسه، وبالذين يرون أنفسهم جزءاً محتملاً من هذه المنظومة، ويرغبون في العمل معنا ليسهموا في النمو معنا في المنطقة.
لذلك نعمل على تطوير منظومة تعاونية تضم أدواراً كثيرة. سيأتي بعضهم لمجرد البيع فقط، وسيساهم آخرون بمهاراتهم أو ملكياتهم الفكرية أو إبداعاتهم، لتطوير جزء من هذه المنظومة، بينما سيستثمر فريق ثالث في بناء قدرة المنظومة وتعزيزها. كل هذه النماذج مُرحب بها.
نحن نعمل على بناء عملية مشاركة واضحة للوصول إلى هذا الهدف، على غرار عملية تطوير البرمجيات، إذ ستكون هناك طرق للمشاركة وإثبات الحضور، والمساهمة بالأفكار والعروض، والاستجابة إلى المتطلبات. ونحن، في هذه المرحلة المبكرة، نعلن عن نوايانا وترحيبنا بالأشخاص المستعدين للاستثمار ومعرفة المزيد عن نيوم.
-
ما هو دور الثقة في تطوير منظومة التصميم والبناء؟
تمثّل نيوم انطلاقة واثقة لتقدُّم البشرية. والثقة في قطاع البناء تعني مضاعفة الإنتاجية. عندما تثق في الإمداد الجيد، يصبح التعاون أسهل ويضمن القطاع تكافؤ الفرص، إذ لا يكون هناك استغلال للقوى العاملة أبداً، ولا مساس بمستوى الجودة، وتزيد الإنتاجية ولا تقل. لذلك نرى أن آليات الثقة جوهرية في عملنا. لا يمكن أن تكون مجرد أمل غامض، بل يجب أن تكون أهدافاً حقيقية. سيكون لدى الشركات المشاركة آليات للثقة في أنها جميعاً ملتزمة بكل القوانين والضرائب. وستُعتمد مهارات العمال وتُوثق هوياتهم، إذ سيحملون جميعاً أجهزة كمبيوتر فائقة في جيوبهم تستخدم التحقق من السمات الحيوية والهوية في إمكانية الدخول إلى الموقع وإمكانية الوصول إلى المعدات. كما سنستغل تقنيات الهاتف المحمول إلى أقصى حد من أجل تعزيز الثقة على المستوى البشري، لأن المشاركة الموثوقة للبيانات أساس مهم لفعالية التعاون. وسنستخدم آليات لضبط الجودة والتحقق من الحقوق في بيئات مشاركة البيانات وحمايتها. وسنتبنى المعايير العالمية التي تحمي الخصوصية، فضوابط الخصوصية بالنسبة لنا ستكون مُضمنة في مراقبة البيانات، وليست مجرد إضافة. وفي النهاية، يعبّر مفهوم الثقة عن حزمة كبيرة من العناصر التي اجتمعت معاً، بداية من التقنية والأعمال وحتى الشؤون القانونية والأخلاقية. ويكمن دورنا في حماية وضمان القيمة على جميع مستويات هذه الحزمة المتعلقة بالثقة.
-
ما هو الجدول الزمني لتسليم وتنفيذ أهدافكم للتصميم والبناء؟
نحن نبني منظومة واقتصاداً، وسنتبوأ مكاننا المهم على المستوى الإقليمي والعالمي عندما تبدأ مطالب نيوم في الاستقرار بعد الاندفاع الأولي للوفاء بالجدول الزمني. إن طاقتنا الأولية للتصميم والبناء تصب في تنفيذ المشروع، بسبب التحديات التي نواجهها. لكن عندما ينخفض الطلب في نيوم، سيصبح لدينا الطاقة الكافية لاستغلال جميع الفرص الأخرى من حولنا. لذلك عندما نصل إلى نهاية هذه المرحلة، ستتوسع طاقة التصميم الرقمي لدينا. وينطبق الأمر نفسه على العناصر الأولية للبناء، وسلاسل إمداد موادنا والمركبات. تبتكر نيوم حالة الاستثمار، وكل ما وراءها هو حالة للأعمال. نحتاج شركاء يتعاونون معنا ويعملون معنا ويستثمرون معنا في كل جانب من جوانب سلسلة الإمداد، من التصور إلى الامتلاك إلى إعادة الاستخدام. وأكبر تحدٍ يواجهنا حالياً هو تحفيز القطاع لاستغلال هذه الفرص طويلة الأمد.
-
ما هو الإرث الذي تريد تركه للأجيال القادمة؟
إننا نحتاج لخلق زخم حقيقي لأن جيل الشباب من البُناة والمبدعين يحتاج إلى ناقل لإبداعهم وطاقتهم. فمن لا يحب الليغو أو ماين كرافت أو أي شكل من أشكال البناء؟ إنه أول شيء نتعلمه تقريباً، حتى قبل المشي. لذلك فالإرث الذي سنتركه هو قدرة الوصول إلى كل هذه الإمكانات، التي تُدار بالتقنيات الحديثة بوتيرة غير مسبوقة، بالإضافة إلى جعل قطاعنا واحداً من أكثر القطاعات مسؤولية وجاذبية وفعالية لمن يطمح لبناء المدن. الأمر ليس معقداً. علينا أيضاً أن نجد الأماكن التي يمكن للناس أن يعثروا فيها على هدف، والتي تتوفر لهم فيها قدرة الوصول إلى الاقتصاد والبيئة والمجتمع بفرص متساوية ومتكافئة، ونيوم لديها هذه الفرص التي لا يمكننا هدرها.
-
هل هناك مفهوم خاطئ شائع لدى الناس عن نيوم؟
يظن كثير من الناس أن نيوم مجرد مدينة، أو مجموعة مبانٍ، أو مشروع بناء، أو حتى صحراء. لكن نيوم ليست كذلك، فهي منطقة سيكون فيها ما يخصها من المدن والحوكمة والاقتصاد. كما تمثل نيوم رؤية فريدة، تتمحور فكرتها في أن المجتمع المنصف المتكافئ الذي لطالما حلمت به البشرية يمكن بناؤه وتنفيذ أفكاره. ولتحقيق هذه الفكرة، فإن كثيراً من الأمور تحدث هنا، يعتمد بعضها على رأس المال، لكن هناك الكثير الذي يعتمد على الغذاء، وجغرافية المحيطات، والإعلام، والتراث، وغير ذلك. المشروع واسع النطاق بشكل كبير. كما أن طبيعة وبيئة نيوم تُعد من أكثر المناطق تفرداً ونقاءً للإنسان. يزخر هذا المكان بالثقافات والحضارات والتراث منذ آلاف السنين، وهو أمر ينبغي على الناس استكشافه. المناظر الطبيعية الممتدة خلابة هنا، وروعة السماء بنجومها في الليل بين هدوء الجبال تأسر الألباب. وباختصار، نيوم مختلفة تماماً عن أي مكان زرته من قبل.
-
كيف هي الحياة اليومية في مجتمع نيوم في الوقت الحالي؟
إن مجتمع تخطيط وبناء نيوم مذهل، إذ يتنوع السكان بشكل كبير من حيث العمر والتوجه العقلي وأسلوب المعيشة. لقد جئنا جميعاً من خلفيات مختلفة للغاية، واجتمعنا معاً في هذه المهمة الفريدة. الحياة اليومية تتطور يوماً بعد يوم، فقد بدأ الناس يعيشون حياة متوازنة بثقة وراحة أكبر. إنه مجتمع متنامٍ يستمتع أفراده بالتنزه في الهواء الطلق وركوب الدراجات وجميع الأنشطة التي يمكنك تخيلها في البحر هنا. الأمر أشبه بعملية تطور مستمر. وعلى الرغم أن كل واحد لديه توجهات تخص شخصيته وثقافته ونمط تفكيره مثل أي مجتمع، إلا أننا نعمل ونتعاون كمجتمع واحد. لم يسبق لي على الإطلاق أن حصلت على كل هذا الدعم والتحدي من الناس المحيطين بي، وهذا يشعرني بالرضا على المستوى الشخصي والمهني. وسنستمر في النمو بسرعة كبيرة، فكل ما يحدث حولنا مثير للاهتمام بشكل مستمر.
-
أخبرنا عن المزيد حول حياتك ومسيرتك المهنية.
لقد حالفني الحظ للغاية بالعمل مع مجموعة كبيرة ومتنوعة من العملاء أصحاب الرؤى في أماكن كثيرة، مثل برج العرب، ومركز البحرين التجاري العالمي، ومشروع الموج مسقط، ومطار باكو حيدر علييف الدولي، ومحطة باترسي في لندن، والمحطات المميزة لمترو الرياض، بالإضافة إلى استاد توتنهام هوتسبير الجديد، ومتحف المستقبل في دبي. كما كانت رحلتي مذهلة مع فريق يتميز بموهبة فريدة في مجموعة آتكينز وشركة بورو هابولد، وهما اثنتان من أفضل الشركات في مجال المشاريع الكبيرة والتصميم المتخصص. والآن توفر تقنية ميتافيرس التوسع الكبير والنماذج الأولية والتوائم الرقمية، وبالتالي نحن على أعتاب أكبر ثورة صناعية منذ عقود. وقد أهّلتني كل تجاربي وخبراتي لهذه الفرصة، ولذلك انضممت إلى نيوم، المشروع الأكثر جاذبية لهذا القرن والذي يتمتع برؤية طموحة للغاية وبإمكانية الوصول إلى الموارد التي نحتاجها. قدمت إلى المنطقة عام 1994م، وعملت في جميع أسواق الشرق الأوسط وشهدت مراحل التحول. تتمتع المملكة العربية السعودية بأكثر نسيج اجتماعي ترابطاً، وأكثر الناس أصالةً، وأكبر رغبة في التغيير، بمستوىً لم أر له مثيلاً في أي دولة أخرى عملت فيها، وهذا هو سبب وجودي هنا، لأنها تخلق لدي روح التحدي وتحفز خبرتي وتدفعني للعمل بدقة حول أدق التفاصيل. كما أعمل هنا مع نخبة يُعدون من أكثر الناس ابتكاراً حول العالم، اجتمعوا لبناء اقتصاد ومجتمع ضمن سياق تجاري. إنها الوظيفة الأروع في العالم بكل تأكيد.